أكد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطاب له بعد مراسيم انتخابه من قبل رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي اليوم السبت رئيساً للاتحاد الأفريقي لعام 2024، قبوله لمهام ومسؤوليات رئاسة الإتحاد، رغم حجم ما يترتب عليه من مسؤوليات جسيمة، خاصة في الظرف الحرج والحساس الذي تمر به القارة الافريقية والعالم.
وقال فخامة رئيس الجمهورية إنه سيتحمل هذه المسؤولية في إطار من التشاور الدائم والتنسيق الوثيق مع الجميع، مهنئا رئيس جمهورية القمر المتحدة، وعلى ما بذله من جهود، للدفع بالقارة في اتجاه تحقيق طموحات الشعوب الافريقية، مثمنا، في الوقت ذاته، ما يؤديه رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وفريقه وسائر هيئات الاتحاد الافريقي من دور بناء في سبيل الإصلاح المؤسسي للاتحاد عملا على رفع مستوى أدائه، نجاعة وفعالية.
وأضاف فخامة رئيس الجمهورية أن اعتماد ” تعليم إفريقي يواكب القرن الواحد والعشرين، موضوعا لهذه السنة، انتقاء في منتهى الوجاهة، لكون التعليم، منطلقُ كل فعل تنموي مستدام، ورافد قوي للأمن والاستقرار وبه اكتسابُ وتطويرُ المهارات، التي تفتح آفاق فرص العمل الملائمة، وتعمل على تقليص دوائر البطالة، والفقر، والهشاشة.
وهذا نص الخطاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على أشرف المرسلين
• أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي، رؤساء الدول والحكومات، زملائي الأعزاء؛
• السيدات والسادة رؤساء الوفود
• السيدات والسادة الوزراء
• السيد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي
• السيد الأمين العام للجامعة العربية
• السيد الأمين العام للأمم المتحدة
• السيدات والسادة ممثلو المنظمات الدولية
• أصحاب السعادة السفراء
• السيدات والسادة
أود في مستهل كلمتي، بالنيابة عنكم وأصالة عن نفسي، أن أعرب عن شكرنا لحكومة وشعب جمهورية اثيوبيا الفدرالية على الاستقبال الأخوي وكرم الضيافة اللذيْن طالما أحاطونا بهما بمناسبة انعقاد قِممنا المختلفة في هذه العاصمة الأفريقية الجميلة.
إن هذه المدينة الجميلة هي موطن ميلاد أول تعبير مؤسسي عن إرادتنا المشتركة في الوحدة والاندماج؛ ميلاد أثمرته الرؤى الثاقبة للآباء المؤسسين وعزائمهم القوية التي يجسدها بوضوح قول المرحوم الرئيس المختار ولد داداه في خطابه خلال الدورة الافتتاحية سنة 1963 “إننا محط أنظار العالم بأسره، خاصة شعوبنا الافريقية وإن أكبر جريمة يمكن أن نقترفها في حق هذه الشعوب هي أن نفشل” … انتهى الاستشهاد.
فقد كان الراحل مؤمنا بضرورة ترقية العمل الافريقي المشترك، راسخ القناعة بأن بلاده التي تشكل حلقة وصل، تاريخيا وثقافيا بين جنوب القارة وشمالها، يجب أن تكون دعامة من دعائم هذا الصرح الافريقي الناشئ.
ولتسمحوا لي، أن أعبر لكم، زملائي الأعزاء، عن تقديري لكم وامتناني العميق لما منحتموني من ثقة، وأخص بالذكر إخوتي وأصدقائي، قادة شمال إفريقيا، الذين شرفوني، على غرار ما فعلتم كلكم للتو، باختياري للاضطلاع بهذه المهمة النبيلة في خدمة اتحادنا.
وإنني، بقدر ما أنا ممتن ومتشرف بهذا التكريم، لمدرِك، تماما، حجم ما يترتب عليه من مسؤوليات جسيمة، خاصة في الظرف الحرج والحساس الذي تمر به قارتنا والعالم عموما.
وسأتحمل هذه المسؤولية في إطار التشاور الدائم والتنسيق الوثيق معكم جميعا.
كما أتوجه بالتهنئة، إلى أخي وصديقي صاحب الفخامة السيد غزالي آسوماني، رئيس جمهورية القمر المتحدة، على خصاله القيادية البارزة، وعلى ما بذله من جهود مشكورة، للدفع باتحادنا في اتجاه تحقيق طموحات الشعوب الافريقية، مثمنا، في الوقت ذاته، ما يؤديه صاحب المعالي السيد موسى فقي مهامات، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وفريقه وسائر هيئات الاتحاد الافريقي من دور بناء في سبيل الإصلاح المؤسسي للاتحاد عملا على رفع مستوى أدائه، نجاعة وفعالية.
أيها السادة والسيدات زملائي الأعزاء
إن ما كان يتطلع إليه الآباء المؤسسون، هو في جوهره ما بنينا عليه معا أجندة 2063 المترجمة لخططنا الرامية إلى قيام إفريقيا التي نريدها: “إفريقيا متكاملة ومزدهرة، يسودها السلام، ويمسك مواطنوها بزمام قيادتها، وتمثل قوة ديناميكية في الساحة الدولية”.
ومعلوم أن حظوظ نجاح الخطط والاستراتيجيات المعدة لتحقيق هذا الهدف الأسمى مشروطة باستثمار فعال في المصادر البشرية، يوفر تعليما شاملا، ذا جودة عالية ومنفتحا على العلوم والتقنيات.
وإن اعتماد ” تعليم إفريقي يواكب القرن الواحد والعشرين: بناء أنظمة تعليمية مرنة لزيادة الوصول إلى التعليم الشامل والمستمر والجيد والملائم في إفريقيا.” موضوعا لهذه السنة، لَانتقاء في منتهى الوجاهه.
فالتعليم، منطلق كل فعل تنموي مستدام، ورافد قوي للأمن والاستقرار وبه اكتساب وتطوير المهارات، التي تفتح آفاق فرص العمل الملائمة، وتعمل على تقليص دوائر البطالة، والفقر، والهشاشة.
ولتسمحوا لي، زملائي الأعزاء، أن أركز هنا على الشباب الذي يشكل حاليا حوالي 62٪ من سكان إفريقيا. فضياع شبابنا ضياع لقارتنا وشباب غير متعلم شباب ضائع.
وإن مشهد ملايين الشباب الأفارقة، المفتقرين إلى المهارات الأساسية، العاطلين عن العمل في بلدانهم أو المتزاحمين في قوارب الموت، على مختلف مسارات الهجرة السرية، بفعل انسداد آفاق العيش الكريم، والمشاركة الفعالة في بناء أوطانهم، لأمر يحز في النفس، ويؤكد الحاجة الماسة إلى إحداث ثورة في منظوماتنا التعليمية.
فقارتنا هي الأكثر تأخرا على طريق تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، ضمان التعليم الجيد، المنصف الشامل للجميع، لما تعانيه منظوماتنا التعليمية من نقص في شمول النفاذ ومن ارتفاع نسب التسرب المدرسي ومن نقص في جودة التعليم والتكوين وفي ملاءمتها مع التحديات المتنوعة التي تواجهها.
وليس من المقبول بقاء أكثر من 17% من أطفالنا خارج المدرسة الابتدائية؛ ولا عدم تمكن 75% من شبابنا، في المرحلة الثانوية، من تملك الكفاءات الخاصة بهذه المرحلة.
وإنه ليتوجب علينا جميعا حكومات ومجتمعات مدنية وفاعلين في مختلف المجالات، مضاعفة جهود التوعية وتعبئة الموارد البشرية والتقنية والمالية لإحداث ثورة تعليمية، توفر لكافة بناتنا وأبنائنا، على حد سواء، فرص التعليم والتكوين وتطوير المهارات بشكل مستمر، وتسهم في تحرير طاقات المرأة الإفريقية المبدعة والتمكين لها وتعزيز مشاركتها القيادية الفعالة في مختلف مسارات التنمية.
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي،
أيها السادة والسيدات،
مرت عشر سنوات على اعتماد خطتنا العشرية الأولى في إطار تنفيذ أجندة 2063، وهي أساس إعداد الخطط التنموية متوسطة المدى للدول الأعضاء، والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وأجهزة الاتحاد الافريقي.
عشر سنوات لم يكن فيها الظرف الإقليمي والدولي مواتيا، فالأزمات المتلاحقة، والمتزامنة أحيانا كثيرة، الصحية، والبيئية، والاقتصادية، والأمنية، فاقمت، بمفاعيلها السلبية، حجم التحديات التي تواجه القارة، فشكلت بذلك عراقيل قوية، أعاقت أحيانا كثيرة، وأبطأت أخرى، إحراز التقدم المأمول في تنفيذ أجندة 2063.
ومع ذلك فإن تقدما مبشرا تم إحرازه في العديد من المجالات من قبيل التقدم في مسار منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، بإنجاز المرحلة الأولى بنجاح، ودخول البروتوكولات المتعلقة بتجارة السلع، وتجارة الخدمات، وتسوية المنازعات، حيز النفاذ، وبسير مفاوضات المرحلة الثانية من البروتوكولات المتعلقة بالاستثمار، وحقوق الملكية الفكرية، وسياسة المنافسة، بوتيرة مقبولة، وكذلك بالعمل الجاد على إطلاق كتاب التعريفة الإلكترونية لمنطقة التجارة الحرة القارية، ودليلِ قواعد المنشأ الخاص بها، ومبادرتها للتجارة الموجهة.
كما حصل تقدم مشجع على مستوى البنى التحتية الرقمية والطرقية والكهربائية، وعلى مستوى تحرير المجال الجوي، بانضمام 37 بلدا لمنظومة السوق القارية الموحدة للطيران، وكذلك على مستوى آلية استعراض النظراء الإفريقية، والشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا NEPAD والإصلاح المؤسسي.
كما تقوى حضور القارة في المؤسسات الدولية، خاصة بدخولها كعضو دائم في مجموعة العشرين G20.
ولا تزال الحاجة ماسة إلى إصلاح منظمة الأمم المتحدة بما يضمن تعزيز حضور قارتنا في هيئاتها القيادية، وذلك بحصولها على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
وسأسعى باسمكم، وبدعمكم، إلى تكثيف الجهود على مختلف هذه المسارات، كما على مسارات إصلاح منظومة التعاون متعددة الأطراف وهيئات الدعم الإنمائي العمومي، لاستحداث ميثاق جديد لتمويل التنمية، يكون أكثر مرونة، واستدامة، وأسرع في التمكين من النفاذ إلى التمويل، على نحو لا يُفاقم مشاكل المديونية. ولا يفوتني هنا التنويه بالجهود القيمة للبنك الافريقي للتنمية في هذا السياق.
كما سأعمل معكم على قيام نظام دولي متعدد الأطراف أكثر توازنا وإنصافا ومراعاة للدول الأقل نموا، يكون لقارتنا فيه صوت مسموع، وقدرة فعالة على التأثير.
فالنظام الدولي في صيغته الحالية، يطبعه الكثير من الحيف والكيل بمكاييل متفاوتة، غالبا على حساب الدول الأكثر ضعفا، والأقل نموا كما الحال غالبا مع قضايا وحقوق دول قاراتنا.
ويكفي لندرك مدى حاجة هذا النظام الدولي إلى الإصلاح، أن ننظر إلى ما يجري بقطاع غزة، من قتل وتدمير، وخرق لمبادئ الشرعية الدولية، وحقوق الإنسان، وكذلك إلى إحجام المجتمع الدولي، عن وضع الثقل المطلوب لإحراز وقف إطلاق نار فوري، وإدخال المساعدات، والشروع في التأسيس لحل شامل، ودائم، يؤمن حق الفلسطينيين الأصيل في قيام دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، طبقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وإنني بالمناسبة لفخور بمواقف الاتحاد الإفريقي الرافضة للظلم، المناصرة للقضايا العادلة والمتمسكة بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي،
أيها السادة والسيدات،
على الرغم مما أحرز هنا وهناك من تقدم في بعض المسارات، فلا يزال البطء والتعثر الطابع العام لجهودنا في سبيل تنفيذ التطلعات السبعة التي هي مقاصد أجندة 2063.
وهكذا، وفي إطار الخطة العشرية 2024-2034، يتعين تركيز جهودنا جميعا على معالجة الوضع المتأزم والمتردي، على مستويات عديدة في قارتنا الإفريقية.
فلا يزال ما يربو على 600 مليون إفريقي لا نفاذ لهم إلى الكهرباء، في القرن الواحد والعشرين.
كما أن قارتنا تؤوي أكثر من 50 % من نسبة الفقر المدقع في العالم، وتمتلك 25 % من الأراضي الصالحة للزراعة عالميا ولا تسهم إلا بحدود 10% من الإنتاج الزراعي العالمي، مما يهدد باستمرار أمنها الغذائي، ومعلوم أنه لا سيادة بدون أنظمة غذائية فعّالة وقوية ومستدامة وهو ما كشفته الأزمة الروسية الأوكرانية، من محدودية قدرتنا على الصمود بفعل ما نشأ عنها من اضطراب في سلاسل التموين.
وإجمالا، فإن قارتنا تعيش مفارقة غريبة، تتجسد في التباين الهائل، بين إمكاناتها الضخمة، من حيث المصادر البشرية الشابة، والموقع الاستراتيجي المتميز، والموارد الطبيعية الهائلة، التي تؤهلها لأن تكون واحة أمن وسلام وازدهار، وبين واقعها الفعلي، المطبوع غالبا بالفقر، والهشاشة.
وللتغلب على هذه المفارقة فإننا ملزمون بتعبئة كل الطاقات والموارد لضمان التنفيذ المحكم والفعال للخطة العشرية الثانية 2024-2034.
وستشكل التقارير التي سيقدمها إخوتي السادة الرؤساء وما ستتضمنه من تشخيص وتوصيات مفيدة حول استكمال مسار إرساء منطقة التبادل الحر القارية الافريقية وتنفيذ برنامج البنية التحتية في نسخته الثانية PIDA 2 ومشروع تعزيز المقدرات الزراعية ومشروع السوق القارية الكهربائية دفعا قويا لتنفيذ الخطة العشرية الثانية. كما أن تنفيذ الإصلاح المؤسسي والتنظيمي لهيئات الاتحاد سيكون رافعة أساسية لتنفيذ هذه الخطة.
وغني عن البيان أن نجاعة تنفيذ هذه الخطة العشرية الثانية رهين بقدرتنا على إشراك القطاع الخاص بشكل قوي وفعال في تنفيذ مختلف محاورها.
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي،
أيها السادة والسيدات،
إن من أكبر التحديات التي تواجه قارتنا، انتشار التوترات، والنزاعات المسلحة، والمجموعات الإرهابية، التي تهدد باستمرار كيانات الدول، بنسفها الأمن والاستقرار، وتفكيكها الأنسجة الاجتماعية، وإعاقتها الجهد الإنمائي، وإضرارها البالغ بالظروف المعيشية للسكان.
إن ما يخلفه الإرهاب، والنزاعات الأهلية، والحروب، في قارتنا، من خسائر في الأرواح وخراب في البنى التحتية والمنظومات الاقتصادية والاجتماعية، ليجعل من معركة الأمن والسلام أولوية الأولويات.
لا بد لنا من العمل معا، على التأسيس لأمن قاري جماعي، من خلال تطوير الهيكل الإفريقي للأمن والسلام، وآليات الدعم المتعددة التابعة له، مثل نظام الإنذار القاري المبكر، والقوة الاحتياطية الإفريقية وغيرها، وتحسين مستوى التنسيق والتعاون، داخل المجموعات الاقتصادية الإقليمية وفيما بينها.
فنحن لن نتغلب على التحديات الأمنية فرادى، ولا بمعزل عن السعي إلى رفع التحديات التنموية والاجتماعية التي تغذيها. لا بد لنا من بناء استراتيجية قارية شاملة، تراعي الأبعاد الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية والفكرية.
فإفريقيا التي نريدها، هي تلك التي تتكفل بشأنها، وتعمل على حل نزاعاتها بنفسها، لا تنتظر حلولا جاهزة تأتيها، بل تنجز هي عبر الحوار، والتنسيق، والإبداع، الحلول التي تناسب ما تواجهه من تحديات.
صحيح أننا بحاجة إلى توسيع وتنويع الشراكات مع مختلف الأطراف، لكن على نحو لا نصير به مسرح تنافس، أو تصفية حسابات بين الغير، تعود غالبا علينا بالتأزم والاضطراب، اقتصاديا، واجتماعيا، وخاصة أمنيا.
وإن مما يزيد المشهد الأمني القاري تعقيدا وقتامة، ما شهدته قارتنا مؤخرا، من تغييرات لا دستورية، أضرت بالاستقرار المؤسسي، والاجتماعي، والسياسي، في العديد من بلداننا.
لا شك أن اتحادنا بذل جهدا معتبرا، عبر آلياته القانونية وقراراته، وبياناته المتعددة، كما في الجزائر سنة 1999 وفي لومي سنة 2000 وفي آكرا سنة 2022، للوقوف في وجه مختلف أشكال التغييرات اللادستورية، لكن ذلك لم يمنع من عودتها بنحو مقلق، وغير مقبول، في الآن ذاته.
ويستوجب منا هذا الواقع العمل جميعا على تكريس مبادئ دولة القانون وإرساء ديمقراطيات حقيقية تؤمن تداولا سلميا سلسا للسلطة في إطار من الاستقرار والشفافية.
وإن ذلك ليتطلب العمل على تهدئة الحياة السياسية والتغلب على الخلافات الاجتماعية والخصومات العرقية بالحوار والتوافق، وعلى تحسين مستوى الحكامة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إجمالا.
فما أحوجنا اليوم إلى أن نستوحي من الحكمة الإفريقية العريقة، روح الحوار والتشاور والبحث الدائم عن الحلول التوافقية في إدارة وتسيير مختلف القضايا لابتكار صيغ جديدة تعيد إلى الحياة الاجتماعية والسياسية الهدوء والسلمية.
وكما نحن بحاجة إلى تحسين الحكامة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإننا كذلك بحاجة إلى تحسين الحكامة البيئية،
فعلى الرغم من ضآلة إسهامنا القاري في الانبعاثات المؤدية للاحتباس الحراري، فإننا أكثر المتضررين مما ينشأ عنه من التغيرات المناخية وتوابعها، من فيضانات، وتصحر، وجفاف، وتدهور في توازن المنظومات البيئية القارية والبحرية.
ولذا يتعين علينا تكثيف الجهد لتعزيز قدرة مواطنينا على التكيف مع الانعكاسات البيئية وبذل الجهود والعمل في سبيل تحول بيئي طاقوي عادل ومتدرج ومستديم.
وإن امتلاك قارتنا لمقدرات معتبرة من الهيدروجين الأخضر ليجعلنا قادرين على رفع تحدي النفاذ الشامل إلى الطاقة النظيفة وتسريع وتيرة التحول الصناعي في القارة إذا ما كثفنا التنسيق فيما بيننا وأقمنا من الشراكات ما يعين على تعبئة الموارد المالية الضرورية لإحداث ثورة طاقوية قارية بالاستغلال الموسع للهيدروجين الأخضر.
وسأعمل بحول الله وقوته، وبدعمكم جميعا، على المساهمة الفاعلة في مسار تحويل إمكانات قارتنا الهائلة في هذا المجال إلى مشاريع تنموية فعلية تسهم بنحو معتبر في تحقيق أهداف أجندة 2063.
لا يناسب الظرف الدوليّ والقاري القائم اليوم غير الاتحاد وصهر الجهود. فذلك ما تستوجبه قيمنا المشتركة ويمليه إدراكنا لوحدة المصير ويقضي به حجم التحديات التي تواجهنا ويستلزمه سمو الغاية التي نسعى إليها.
إن تحقيق هدفنا الأسمى المتمثل في “إفريقيا متكاملة ومزدهرة يسودها السلام ويمسك مواطنوها بزمام قيادتها وتمثل قوة ديناميكية في الساحة الدولية”، قد يبدو بحكم الملابسات الظرفية العارضة التي تكتنف حاضر القارة أمرا مستعصيا لكنه في الواقع هدف في متناولنا وسنحققه بحول الله وقوته في المدى المرسوم 2063، وذلك بفضل قوة اتحادنا ومواردنا الهائلة ومصادرنا البشرية الشابة ونظرتنا الاستشرافية الطموحة.
ولذا فإن علينا جميعا، الاستمرار في التطوير المؤسسي لاتحادنا الإفريقي، فمن بوابته نأخذ بزمام مستقبلنا ونتكفل بشؤوننا ونزيد من اندماجنا ووحدتنا ويتأتى لنا تحقيق تطلعات شعوبنا المشروعة التي تجسدها أجندة 2063.
وإنني إذ أدعو إلى المزيد من رص الصفوف ومضاعفة الجهود لرفع مختلف التحديات التي تواجه قارتنا، لأعلن على بركة الله افتتاح هذه الدورة 37 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، راجيا لأعمالها وافر التوفيق والنجاح.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.